السياق السياسي
لا تمثل مصر استثناءً لعلاقة الحب والكراهية بين الإعلام والسياسة. وكما يبين التاريخ (رابط للتاريخ)، فإن الفترات الوجيزة من الحرية والأمل قد ضعفت وقلت بسبب رغبة الأنظمة المتعاقبة في احتكار الرواية الرسمية وتعزيز سياساتها. وإلى اليوم، كانت القوى السياسية ناجحة في فرض السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام والتدخل في المحتوى والرسالة الموجهة إلى الجمهور.
عهد مبارك: الإعلام كأداة للدعاية
مع ظهور أول قناة فضائية عربية في عام 1990 وإطلاق النايل سات (رابط للتكنولوجيا)، أصبح قطاع التلفزيون الأكثر شعبية. احتكر التليفزيون المملوك للدولة وسائل البث الإعلامي، مما سمح لنظام مبارك بالتحكم في ما يتم سرده وروايته من خلال سيطرته على ملكية وسائل الإعلام. كان تركز وسائل الإعلام في أقصى حالاته وتركزت السلطة في يد الرئيس مبارك والحزب الوطني الديمقراطي الذي احتفظ بأغلبية ساحقة في مجلس الشعب. إلا أن ظهور المدونات والصحافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الألفية الثالثة، أجبر وسائل الإعلام التقليدية على تحسين تغطيتها للحفاظ على أهميتها وتأثيرها على الجمهور. كما أدى وصول أجزاء أكبر من المجتمع إلى التكنولوجيا الرقمية إلى إطلاق موجة من النشاط السياسي، مما أدى إلى تحطيم السلطة القائمة.
ثورة 2011: تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لهياكل السلطة
في أعقاب ثورة 25 يناير وتنحي الرئيس حسني مبارك، تبنت مصر نظامًا شبه رئاسي لا يتمتع الرئيس بموجبه بسلطات واسعة، ويكون له الحق في تعيين رئيس وزراء، لكن يجب أن يوافق البرلمان على الحكومة الجديدة عن طريق التصويت على الثقة (المادة 146 من دستور عام 2014). ويمكنه أيضًا حل البرلمان أو إعلان حالة الحرب والطوارئ، لكن البرلمان بحاجة إلى الموافقة على كل قانون قبل أن يصدق عليه الرئيس. مع التأثير الواضح للإعلام المستقل، ومعظمه عبر الإنترنت، على الثورة، تميزت حقبة ما بعد الثورة باستثمارات واسعة النطاق في قطاع الإعلام (رابط للاقتصاد)، والسماح بالملكية لأي مواطن مصري (دستور 2014) وبالتالي السماح بالتنوع والتعددية. بالتوازي مع ذلك، ازدهرت الأحزاب السياسية لأول مرة منذ بداية عهد مبارك. وفي عام 2018، فإن هناك ما لا يقل عن 100 حزب سياسي.
بين عامي 2011 و2013، بلغ تأثير وسائل الإعلام ذروته. في عام 2011، استقال اللواء أحمد شفيق، أول رئيس وزراء في فترة الثورة، بعد يوم من إجراء مقابلة مثيرة للجدل على فضائية ONTV (رابط لـ ONTV).كانت هذه المقابلة واحدة من أوائل الانتقادات العلنية المذاعة تليفزيونيًا لمسؤول حكومى رفيع المستوى فى تاريخ مصر. نشأ صراع عام بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية على تشكيل الرأي العام المصري. كان أحد المطالب المباشرة لثورة 2011 هو إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة. لكن في عام 2012، قبل انتخاب المرشح الإسلامي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيسًا لمصر، مرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF) تشريعًا منحه السيطرة على عملية التشريع لحين انتخاب برلمان جديد، كما منح قادته حصانة من العزل حتى وضع دستور جديد. على هذا النحو، تم الحفاظ على هياكل وسائل الإعلام المملوكة للدولة على الرغم من بعض التغيير في القيادات. لقد رأى جنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الانتفاضة كوسيلة لتقويض سلطة الرأسماليين المقربين من نظام مبارك، رغم أنهم كانوا أيضًا قلقين من التغيير السياسي. بعد ذلك، في عام 2013، استشعر الجنرالات أن الشعب أراد نزع سلطة الإخوان المسلمين ونظام مرسي، ورأوا أيضًا أن ذلك مفيد لمصالحهم. يقول الكثيرون إن الإعلام المصري بشكل عام والقنوات التلفزيونية على وجه الخصوص لعبوا دورًا كبيرًا في حشد الجمهور وتشكيل الرأي العام للشروع في احتجاجات يونيو 2013 والتي أدت إلى سقوط الإخوان المسلمين.
منذ عام 2014: "سيسنة" النظام الإعلامي
في ليلة 3 يوليو 2013، أعلن اللواء عبد الفتاح السيسي، قائد القوات المسلحة المصرية، في خطاب متلفز على الهواء مباشرة أنه قد تم عزل محمد مرسي، وحل محله رئيس المحكمة الدستورية وأنه تم تعليق الدستور. أدى السيسي اليمين الدستورية كـرئيس للجمهورية في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، بدأ يركز على إزالة أي عقبة أمام رئاسته، وكانت السيطرة على وسائل الإعلام جزءًا من الاستراتيجية. حتى إعادة انتخابه في عام 2018 -بـ97.8 ٪ من الأصوات- وضع السيسي خمس خطوات لاستعادة السيطرة على وسائل الإعلام المصرية، بدءًا من "تنقية" المشهد الإعلامي عن طريق:
1. إغلاق القنوات التلفزيونية الدينية التي دعمت جماعة الإخوان المسلمين، وترك جميع القنوات الأخرى مفتوحة.
2. وقف البرامج التلفزيونية المعروفة بتأثيرها على الرأي العام، والرقابة على أبرز العاملين في وسائل الإعلام من ذوي الميول السياسية.على سبيل المثال، مقدم البرامج الساخر، باسم يوسف، والمضيف التلفزيوني والكاتب الروائي، بلال فضل، والمذيعة التلفزيونية ليليان داوود، وغيرهم، وهو ما دعا العديد من الإعلاميين لنفي أنفسهم ذاتيًا. منذ عام 2017 ، بدأ ما يسمى بالـ"سيسنة" " مرحلة جديدة من تعديل المشهد الإعلامي من خلال:
3. تغيير الهيكل التشريعي والقانوني لكل من القطاع الخاص والمملوك للدولة، بناءا على دستور 2014 (رابط للتقييم القانوني).
4. السماح بالمصادرة واسعة النطاق لأصول وسائل الإعلام والصحف القائمة، وإنشاء كيانات إعلامية جديدة من خلال استثمارات ضخمة في السوق الإعلامية، كما كان الحال مع شركة اعلام المصريين (رابط للبروفايل).
5. محاولة السيطرة على الفضاء الإلكتروني، الذي أصبح منصة للإعلام البديل، مما دفع السلطات المصرية إلى حجب أكثر من 500 موقع، من ضمنهم ما لا يقل عن 100 موقع إخباري وإعلامي (رابط للسياق القانوني).